الفرحة تفيض ولا يكفيها كأس ذاتي المعذبة، وجام الصداقة ينتظر حظه ليعب من قطراتها المصبوغة بدماء الحزن ....كنت أسير تائها قرب حديقة "للا عائشة" أفكر في المقدمة ! و"التمهيد" المشوق الذي أعلن فيه لأصدقائي النبأ العظيم: "تازة"... وفي غفلة انتباه مني ! لمحت صديقي يحيى يصارع الرياح التي تجري بما لا تشتهي دراجته...وقد تذكرت أنها جرت بما لا تشتهي رغبته أيضا... ورغم ذلك كان سؤالي إياه يتلون بين طلب العلم بمجهول والافتخار والتقرير... بينما كان رده "عينت في أسا الزاك" يحمل لونا واحدا .. هو لون التذمر القاتم، والظلم الغاشم...
وجدتني أرافقه ...كان الأمر تخفيفا عن "مصيبته"، واستجابة للاشعوري لأقضي على شبح الشك، وأقرر الرحلة إلى تازة، بعدما خططت لها أمس في مسودة الذاكرة....
...الفرحة في الاحتضار، والشعور يتجهم ليقدم تراتيل الرثاء للنفس المخدوعة بزيغ العين....دارت بي الأرض..عندما رأيت الشك الذي نفيته أمس يتحول إلى يقين قاتم...أعدت الكرّة مرات مخطئا نفسي فلم أزدد إلا صوابا..ومعه زادت الُحيرة والمعاناة والألم...إنها حروف الإفرنج تستهزئ بإحساسي الذي هجاها عند دخول المركز:
أحتى بَعد بُعدي تقربيني
فلست بعاشق إن تعشقيني
شممت الضيم فيك وقد تخفى
سيخنقني هواءك فاهجريني
لم يكن الأمر مثل "كازيو"[الساعة]، ولا كوميديا مومني [أستاذة اللغة الفرنسية في السنة الثانية إعدادي]....بل الأمر أكثر طرافة لمن أحكيه...وهو جذوة لحاكيه....كانت TATA بدل TAZA ...ومما أسهم في غشاوة بصري أن أستاذين للتربية الإسلامية كانا من أسفل مني في اللائحة، قد عينا بتازة، فصادف ذلك رغبة مني فتمكن....
عبد المجيد وعبد الحفيظ وعبد المالك وبدر وبنعيسى ... آه على تلك الليالي التي كان الشاي يغزل فيها "الحرشة" بحمّاسة "الجوطية"، ويتماسا في الأفواه المشغولة بجدل عقيم في أغلب الأحيان... لكنه ممتع في كل الأحيان !
آه على غابة سيدي معافى و"البّرْكْ"...و.. الجامعة التي نحت فيها قلبي على صفحات العشق الموؤود !
آه على باب سيدي عبد الوهاب رفيق الطفولة...وآه على وجدة مهد هذا الذي يعذبه الفراق...في الحقيقة سبق لي أن سمعت بطاطا...ولكن في الحقيقة أيضا لم أكن أعرف موقعها إلا أنها في "الصحراء"، لذا وجدتني أبحث عن خريطة المغرب..وكأنني سائح يسترشد الطريق..سائح بمعنى جهل بلده فقط..وليس... غير أن ثمة شيء آخر كان يؤرقني ويقض مضجعي..مما جعل هذه الأيام المعدودة توقع على أبشع الآلام التي كنت أعتقد أنه انتهت بمجرد حصولي على "الوظيفة"..لأكتشف أنها فقط "تمهيد"... وأن الألم والعذاب...والمأساة هي عين الحياة، ولا يمكن للإنسان أن يعيش بدونها !